الديمقراطية الفرنسية تنتصر بفضل تعبئة استثنائية للشعب الفرنسي
عبد الحق فيكري- باريس.
تلعب الانتخابات والعمليات السياسية الأخرى دورًا جوهريًا في تحسين جودة الحكم في أي دولة، حيث تعتبر الانتخابات وسيلة أساسية لتعزيز التنمية الديمقراطية المستدامة.
يتمثل المبدأ الأساسي لضمان مصداقية الانتخابات في أنها يجب أن تكون انعكاسًا حقيقيًا للإرادة الحرة للشعب. إن العمليات الانتخابية الموثوقة لا تكتفي بتعزيز شرعية المؤسسات السياسية وحسب، بل تساهم أيضًا في رفع مستويات الثقة بين المواطنين وممثليهم المنتخبين. ووفقًا لموراي إيدلمان (1964)، تعتبر الانتخابات عملية طقسية، حيث يُعد التصويت الوسيلة المباشرة الوحيدة التي يشارك فيها معظم المواطنين في الحكم، مما يمنحهم فرصة للتعبير عن مشاعرهم سواء كانت سلبية أو إيجابية، ويعزز شعورهم بالمشاركة المدنية. هذه الطقوس الانتخابية تؤدي وظيفة أساسية تتمثل في تعزيز الاستقرار الاجتماعي والسياسي.
تاريخيًا، جاءت فكرة الانتخابات لتستبدل فكرة ألوهية الملك وما ينتج عنها من حكم مطلق استبدادي، حيث أصبحت الانتخابات الأداة الرئيسية لإضفاء الشرعية على السلطة، وتأكيد سيادة الشعب كمرجعية نهائية في الحكم.
لتحقيق هذا الهدف النبيل، يجب أن تتسم الانتخابات بالشفافية والشمولية، وأن تحظى بثقة جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك الناخبين والمرشحين. كما يجب أن تُوفر فرص متكافئة للتنافس في الانتخابات، وأن تكون المنافسة السياسية حقيقية، مما يضمن تمثيلًا عادلًا لكافة الأطياف السياسية.
هذه المبادئ العامة تجد جذورها في الالتزامات والحقوق والحريات الأساسية المنصوص عليها في القانون الدولي العام، والتي تهدف إلى ضمان انتخابات حرة ونزيهة تعكس الإرادة الحقيقية للشعوب.
بذلك، تساهم الانتخابات في تعزيز الاستقرار السياسي والاجتماعي، وتدعم التطور الديمقراطي، وتؤكد على حقوق الأفراد في المشاركة السياسية الفعالة، مما يؤدي في النهاية إلى حكم أكثر كفاءة وعدالة.
من هذا المنطلق يمكن القول أن الانتخابات التشريعية الفرنسية التي جرت اطوارها اليوم تظهر تطابقا مع المعايير الديمقراطية الحقيقية، وذلك من خلال جولتين اختلفت نتائجهما تماما، حيث جرى التصويت في الجولة الأولى في 30 يونيو 2024، والجولة الثانية في 7 يوليو 2024.
هذه الانتخابات كانت استجابة لقرار حل الجمعية الوطنية من قبل الرئيس إيمانويل ماكرون بعد أداء ضعيف في انتخابات البرلمان الأوروبي، مما دفعه للدعوة إلى انتخابات مبكرة.
لقد تضمنت الانتخابات منافسة حقيقية بين عدة أحزاب سياسية، منها اليمين المتطرف الذي حقق تقدماً ملحوظاً في الجولة الأولى، وتحالف اليسار الذي حصل على نتائج جيدة أيضاً قبل ان يتصدر المشهد في الجولة الثانية بشكل مفاجئ عكس استطلاعات الرأي.
لقد عاينت عن قرب الانتخابات الفرنسية وطريقة تنظيمها بشكل سلس والأجواء داخل مكاتب التصويت، ونظافة الشارع مما أسميه الهمجية الانتخابية حيث ان المواطن الفرنسي يتوصل بظرف فيه لائحة المرشحين، وعاينت ايضا عن قرب الناخب الفرنسي المسؤول، والدليل أن هذه الانتخابات حظيت بمشاركة واسعة من الناخبين، حيث سجلت أعلى نسبة إقبال منذ عقود ، وتعبئة واسعة للشعب الفرنسي الذي هب إلى صناديق الاقتراع لقطع الطريق عن اليمين المتطرف.
وعلى الرغم من بعض التوترات والمنافسة الشديدة، يمكن القول أن العملية الانتخابية التزمت بالمبادئ الأساسية للديمقراطية، مثل الشفافية والشمولية وتوفير فرص متكافئة للتنافس الشريف بين مختلف الاحزاب السياسية الفرنسية.