من رمزية التتويج إلى مسؤولية القيادة: مولاي الحسن يتقلد رتبة كولونيل ماجور
في لحظة مشبعة بالدلالات التاريخية والوطنية، جاء إعلان ترقية صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير مولاي الحسن إلى رتبة كولونيل ماجور في القوات المسلحة الملكية، تزامنًا مع تخليد الشعب المغربي للذكرى السادسة والعشرين لتربع جلالة الملك محمد السادس نصره الله على عرش أسلافه الميامين.
وإنّ هذا التعيين السامي، في توقيته ورمزيته ومضمونه، لا يُمكن فصله عن العمق التاريخي للمؤسسة الملكية المغربية، التي ظلت عبر القرون تولي عناية استثنائية لتكوين قادتها منذ نعومة أظافرهم، إيمانًا منها بأن القيادة ليست قرارًا فوقيًا، بل مسار طويل من التربية على الوطنية، والتمرّس على المسؤولية، والتشبع بقيم الدولة.
من المولى الحسن الأول إلى الحسن الثاني، ومن محمد الخامس إلى محمد السادس، ظلّت البيوتات الملكية تُعدّ ورثتها مبكرًا للمهام الكبرى، وتضعهم في صلب المسؤوليات، ليس ترفًا رمزيًا، بل رهانًا على نضج يُكتسب في الحقل، لا في الظل. وقد أثبت التاريخ المغربي الحديث أن الملوك الذين مرّوا من مدرسة المهام المبكرة، كانوا الأكثر تأثيرًا في تثبيت ركائز الدولة وصيانة وحدتها الترابية.
وفي هذا السياق، تأتي ترقية ولي العهد مولاي الحسن لتمثّل امتدادًا لهذا الإرث العريق: فهو لم يولد فقط أميرًا، بل نشأ على خُطى الملوك القادة، حُمل على كتفيه وعيُ الوطن، وغُرست فيه من سن مبكرة بذور المسؤولية، والانضباط، والانتماء العميق لتراب هذا الوطن.
إنّ الرتبة العسكرية لولي العهد لا تختزل فقط في معناها الوظيفي، بل تحمل في طيّاتها رسالة سيادية وأخلاقية: فالمغرب يُعدّ قادته من داخل مؤسساته، ويضع فيهم الثقة لا بالشكل، بل بالاستحقاق والتكوين والتجربة المتدرجة.
والقيادة هنا ليست مجرد سلطة، بل حمولة قيمية وتاريخية تُشكّل أحد أعمدة العقيدة الوطنية المغربية. إنها الترجمة العملية لفكرة أن خدمة الوطن تبدأ من القلب، وتتجذّر في الفكر، وتتكرّس في الفعل. وبهذا المعنى، فإن مولاي الحسن لا يُجسّد فقط صورة ولي العهد، بل نموذج الأمير المواطن، القائد المدبّر، والرمز الجديد لامتداد الدولة واستقرارها.
ولا شك أن تزامن هذا التعيين مع عيد العرش، وما يحمله من رمزية تجديد البيعة وتقدير منجزات العرش العلوي، هو في حد ذاته رسالة مزدوجة: فالملك، وهو يحتفل بمرور 26 سنة على تولّيه العرش، يوجّه بوصلة الاستمرارية نحو الأمام، ويوطد الجسر بين جيل العهد الجديد وجيل الغد الملكي.
إننا أمام لحظة تُعيد تأكيد الثوابت: بأن المؤسسة الملكية لا تراهن على المفاجأة، بل على التخطيط، وعلى مدرسة الزمن الطويل التي تصنع القادة، كما تصنع الثقة. ولي العهد، وهو يتسلّم هذه المسؤولية العسكرية الرفيعة، يُجسّد بكل ما تحمله الكلمة من معنى القيادة المبكّرة بوصفها تقليدًا ملكيًا راسخًا، وشرفًا وطنيًا، واستعدادًا حقيقيًا لمهام السيادة.
وفي عالمٍ تهتز فيه الثوابت وتذوب فيه المؤسسات، يبرهن المغرب مرة أخرى أنه دولة التاريخ والذاكرة والاستمرارية. دولة تبني حاضرها بإرادة، ومستقبلها بعقل، وقادتها على أعين الوطن.