“البداية 2”: إقامة فنية تؤسس لجيل جديد من الإبداع التشكيلي المغربي
يواصل فضاء “تعابير” التابع لمؤسسة صندوق الإيداع والتدبير بالرباط ترسيخ دوره كحاضن للإبداع المعاصر، من خلال إقامة المعرض المشترك “البداية 2″، الذي يجمع خريجي المعهد الوطني للفنون الجميلة بتطوان والمدرسة العليا للفنون الجميلة بالدار البيضاء. يندرج المعرض ضمن برنامج الإقامات الفنية والمعارض الذي أطلقته المؤسسة بشراكة استراتيجية مع المؤسستين العريقتين، بهدف خلق بيئة محفزة للحوار والتجريب والانفتاح على الأسئلة الراهنة للفن والمجتمع.


انطلقت الإقامة في 18 يوليوز 2025، بينما افتُتح المعرض رسميًا يوم 25 يوليوز، على أن يستمر حتى 14 شتنبر. يشكل الحدث امتدادا للنسخة الأولى المتألقة، لكنه يكتسب هذا العام زخما جديدا من خلال التجربة الإبداعية التي خاضها الفنانون الشباب بعد التخرج، محررين أساليبهم من الصرامة الأكاديمية ومنفتحين على التعبير الذاتي.

شارك في المعرض عشرة فنانين: خمسة من مدرسة الدار البيضاء (حسام كنزيتي البلغيتي، حفصة السبيتي، إلياس أولقايد، محمد الهاروشي، ريم العدني)، وخمسة من معهد تطوان (محمد الراضي، وليد لزرق، صفوة سليكي، يونس كودمان، حسناء موساوي). تتنوع وسائطهم التشكيلية بين التصوير الصباغي، القصص المصورة، النحت، الخزف، الفيديو آرت، التصوير الفوتوغرافي، التركيبات، والتصميم.
تعكس الأعمال المعروضة انشغال الجيل الجديد بقضايا الهوية، الكيان الإنساني، الذاكرة، الفضاء المديني، الثورة الرقمية، والصنائع الحرفية، مع حضور للبعد الإنساني والتأملي في قراءة الواقع. كل عمل هو ثمرة بحث شخصي وتجريب بصري، ما يمنح المعرض طابعا بحثيا يتجاوز المعارض الافتتاحية النمطية.

يؤكد الباحث الأنثروبولوجي المهدي الزواق، مدير معهد تطوان للفنون الجميلة، أن “البداية” تمثل لحظة انتقال من العالم الأكاديمي إلى الحقل المهني، وفضاء لربط التكوين بسوق الفن، وتثمين التنوع الإبداعي. أما المصمم الفني و الأستاذ سعيد كيحيا، مدير المدرسة العليا للفنون الجميلة بالدارالبيضاء، فيصف المعرض بأنه يتجاوز العرض التقليدي ليصبح فضاء للحوار ونقل المعرفة والتجريب، بفضل الورشات الميدانية التي تكشف مسارات الإبداع وتدعو الجمهور إلى التفاعل المباشر.
تكتسب هذه التظاهرة أيضا بعدا جغرافيا وثقافيا خاصا، إذ تمثل لقاء بين مدينتين مركزيتين في خريطة الفن التشكيلي المغربي: الدار البيضاء وتطوان. وهي بذلك تعزز الجسور بين مؤسسات التكوين والمجال السوسيو-ثقافي والاقتصادي، ضمن رؤية مؤسسة صندوق الإيداع والتدبير لدعم الشباب المبدع وإدماجه في النسيج الفني الوطني.
في النص التقديمي للمؤسسة، تمت الإشارة إلى أن “البداية 2” كرمت عشرة فنانين شباب عبر إقامة فنية مكثفة حوّلوا خلالها فضاء “تعابير” إلى مختبر للعمل والبحث والحوار، وابتكروا أعمالا إبداعية تمزج بين الرسم، التركيب، التصميم، النحت، وأشكال أخرى، تعكس غنى مساراتهم وقوة تعبيرهم.
يتميز هذا الجيل بجرأة فنية ووعي بأهمية كسر النمطية والتجديد في اللغة البصرية، مع انفتاح على المتغيرات البيئية والاجتماعية والتقنية. فهم لا يكتفون بعرض منجزاتهم، بل يحولون الحدث إلى ورشة مفتوحة للتفكير والتجريب، مواكبين تحولات الفن العالمي في الإنتاج والتلقي والتسويق.

يقدّم “البداية 2” أكثر من مجرد عرض فني؛ فهو أرضية للتأمل في دينامية الفن المغربي وقدرته على التجدد، وممارسة معرفية ونقدية ترافق تحولات الذات والمجتمع. ويمثل نموذجا للتلاقي بين الطموح الفردي و المطمح الجماعي، وبين الأسئلة الجمالية والرهانات الاجتماعية والإنسانية، مؤكدا أن الاستثمار في المواهب الشابة هو استثمار في مستقبل المشهد التشكيلي المغربي.