تمدرس الأطفال ذوي الإعاقة: من الحق القانوني إلى التحديات الواقعية
بقلم /سيداتي بيدا
رغم التطورات القانونية والدولية التي صبت في تعزيز حقوق الأطفال ذوي الإعاقة في التعلم، ما زال طريق الإدماج التعليمي يراوح مكانه بين النصوص التشريعية والتطبيق العملي، معطياً مؤشرات واضحة على وجود عوائق كبيرة تحتاج إلى رعاية عاجلة وتوجيه شامل.

في عام 2006، أرست اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة (CRPD) أسسًا صلبة، مؤكدة في مادتها الرابعة والعشرين على حق هؤلاء الأطفال في الحصول على تعليم شامل وخالٍ من التمييز، يتناسب مع ظروفهم واحتياجاتهم الخاصة. وقد تجاوبت العديد من الدول مع هذه الدعوة، بادماج مبدأ التعليم الشامل في قوانينها الوطنية، إلا أن هذه المبادرات ظلت في كثير من الأحيان حبرًا على ورق، بدون ترجمة حقيقية على أرض الواقع.
فالواقع يشير إلى أن كثيرًا من المدارس المُصنّفة “دامجة” تعاني من نقص حاد في البنية التحتية المناسبة، فضلاً عن غياب تكوين تربوي متخصص لدى المعلمين يمكنهم من التعامل مع تحديات التنوع في الفصول. ولا يقتصر الأمر على ذلك؛ إذ يعاني هؤلاء الأطفال من ضعف الوعي المجتمعي، ما يحول بيئة المدرسة من فضاء داعم إلى ساحة قد تزيد من عزلة الطفل بدلاً من تعزيز انتمائه.
ومع ذلك، تأتي تجارب عالمية كالمرجع، تنير الطريق لوضع سياسات تعليمية حقيقية وشاملة. ففي فنلندا، يعد التعليم الشامل جزءًا لا يتجزأ من السياسة الوطنية، حيث يُكسب المعلمون مهارات خاصة لتلبية الاحتياجات المختلفة، وتدعم المدارس بتقنيات وموارد بشرية تتيح بيئة تعليمية متكاملة. أما في كندا، فإن التعاون بين المدارس، الأسر، ومؤسسات المجتمع المدني يُنظر إليه كركيزة أساسية لوضع استراتيجيات فردية للتعلّم تلائم كل طفل، مع توفير مساعدين تربويين يدعمون العملية داخل الفصول.
تعكس هذه النماذج نجاحًا مبنيًا على أربعة دعائم رئيسية: إرادة سياسية صادقة، تشريع واضح ومتفعّل، تمويل مستمر، وثقافة اجتماعية تراعي قيم التقبل والشمول. ولا يمكن إغفال دور الأسرة ووسائل الإعلام، حيث يظل إشراك أولياء الأمور وتحويل الخطاب الإعلامي من الشفقة إلى حقائق تمكينية عاملاً مكملًا للتغيير.
في المحصلة، تمدرس الأطفال ذوي الإعاقة ليس فقط مطلبًا تربويًا، بل مرآة لعلاقة المجتمع بحقوق الإنسان والعدالة. لقد آن الأوان أن تكون المدارس بيئة مفتوحة على مصراعيها لجميع الأطفال، ليس فقط للتعلم، بل للانتماء والتنشئة، ولبناء مستقبل يعكس قيم المساواة والكرامة الإنسانية.