كيف تحوّل الإحتفال الشعبي المسمى ” الناير أو حكوزة ” الذي يصادف رأس السنة الفلاحية الرومانية إلى “رأس السنة الأمازيغية” ؟
بداية أهنئ جميع المغاربة بحلول موعد “الناير” (أو حكوزة كما يسمونه في شمال المغرب) الذي كان يحتفل به أجدادنا الأندلسيون و المغاربة (عربا كانوا ام أمازيغا) كل سنة ميلادية في الأواسط العشر لشهر يناير. و أذكر أننا في مدينة آسفي، وجميع منطقة عبدة-دكالة، كنا نحتفل به باجتماع عائلي حول طابق التريد بديك بلدي. إذن كيف تحول من موروث لكل المغاربة إلى عيد خاص فقط بالأمازيغ ؟
تاريخيا و علميا لا يوجد أي أصل أو سند حقيقي للهرطقة المبتدعة المسماة إعلاميا و فيسبوكيا ب ” السنة الأمازيغية ” !!
فالإظافة إلى الذاكرة الشعبية و التراث اللامادي الذي ذكرت، هناك مخطوط عربي واضح، وكتب قبل حوالي 470 سنة من الان من طرف العلامة علي بن أحمد بن محمد الشرفي الصفاقسي وهو جغرافي ورياضي وفلكي أنظر إلى الصورة الأولى و الثاني للمخطوط الذي بها كذلك خريطة الاطلس البحري المشهورة باسم ( الطبلة).
يورد هذا المخطوط بعض المعلومات العامة عن شهر يناير في التقويم اليولياني الرومي القديم، مثل عدد ايامه ولياليه وابراجه . ولكن الاهم هو حديث المولف عن شهر يناير، حين يقول :
” عدد أيامه أحد وثلاثين يوما : واول ليلة منه ليلة العجوز . وتسمى الحاجوز لانها تحجز بين السنة والسنة . وكله من فصل الشتا. ويوم عشرين منه تخرج الليالي ومن أوله تغرس الاشجار الى اربعين يوما . وهي اجود ما يكون من الغرس .وفيه يغرس البصل المتخذ للزريعة . ويعمل فيه مربا الجزر . وفي عشرين منه تنقضي الليالي السود . وإن رعد في النصف الأول منه، فلا خير في تلك السنة لا سيما بلاد فلسطين و بلاد المشرق. وتحرك الروم عساكر ولا تفلح. وإن رعد في الأخير، فتكون مخافة في ذلك وتلحق السلطان شدة. والله سبحانه أعلم.”
اهم الفوائد من كلام المؤلف رحمه الله تعالى :
1. لا وجود لاي ذكر لخرافة شيشناق على الاطلاق.
2. لا وجود لدعوى انه عيد امازيغي فقط،
3. التأكيد على ان الشام وفلسطين والمشرق والبحر المتوسط ( بلاد الروم) تتشارك نفس الاحداث. فمناسبة ينّاير هي عادة شعبية مغربية- أندلسية تشبه “عيد شم النسيم بمصر” أو “النوروز بإيران” كان يحتفل بها المغاربة و الأندلسيون عربا و أمازيغا، مسلمين و مسيحيين و غيرهم من مكونات الأمّة بمختلف أعراقهم و شرائحهم تفاؤلا بمجيء سنة فلاحية وفيرة ، و ترمز للإرتباط الإنسان بأرض أجداده و تحتفي بنشاط الفلاحة وبخاصة زراعة القمح، يتضرعون لله عز و جلّ لكي يرزقهم بالغيث و الخيرات بالدعاء و الصدقات،
4. هذا توثيق تاريخي قديم وصادر من منطقتنا المغاربية.
فما الذي حدث و تحولت فيه عادة الناير الشعبي المغربي /الأندلسي إلى سنة أمازيغية ؟
الجذور الحقيقية التاريخية لإحتفال النّاير أو الينّير.
النّاير/ينّار/ يناير/الينّير تسميات أصلها من الكلمة اللّاتينية (الرومانية) يانواريوس IANUARIUS نسبة إلى يانوس IANUS إله البدايات و النهايات في الديانة الوثنية الرومانية القديمة) أطلقوها على الشهر الأول من التقويم الشمسي الروماني
اليوليوسي القديم (Calendrier Julien) الشمسي و الذي وضع في عهد القيصر الروماني يوليوس قيصر سنة 45 قبل الميلاد.
كان الأندلسيون يحتفلون بالينّير (النّاير) منذ العهد الأموي بالأندلس، وفيه تُصنع مختلف أطباق الحلوى ويتبادل الناس الهدايا ويُعطل العمل. وكانوا يحتفلون بهذه المناسبة في اليوم السابع من ولادة المسيح واليوم الموالي له وهو الأول من شهر يناير، غير أنهم سمّوه “النيروز” ، أما في المغرب فبقي يسمّى هذا اليوم بـ “النّاير”.
وظل الأندلسيون و المغاربة يحتفلون بهذه المناسبة رغم تحذير فقهاء المالكية وتحريمهم مشاركة المسلمين المسيحيين أفراحهم.
وبعد سقوط الأندلس اقتصر “الينّير” على المناطق التاريخية للمغرب (الإيالة الشريفة) ، الذي أصبح يسمّى “النّايرْ”، وبقي مجهولا في جميع مناطق الجزائر العثمانية قبل الآحتلال الفرنسي وخاصة سكان الجبال من “القبايل” الذين عرفوه لأول مرة في السبعينيات من القرن العشرين مع نشطاء “الحركة الأمازيغية الجزائرية” و على رأسهم عمار نقادي الذي كان يشتغل لحساب الأكاديمية البربرية بباريس Académie berbère، و الذي آستغل أحداث “الربيع البربري بالجزائر” سنة 1980، و قام بالترويج لأكذوبة السنة الأمازيغية بطبع أول يومية (رزنامة) عليها سنة 2930، مدعوما من طرف الأكاديمية البربرية حتى تضفي عليه الطابع العرقي الجهوي تحت مسمّى “السنة الأمازيغية” و يغلب عليه أسلوب الخرافة و التعصّب للتفريق بين العرب و الأمازيغ.
و بالرجوع إلى ما هو تاريخي وثائقي أهديكم بعض الأبيات الشعرية حول “عادة الناير ” من ديوان الشاعر الزجال إبن قزمان القرطبي، متمنيا لكم إخوتي المغاربة و لكم أصدقائي المغاربيين و المتوسطيين ناير سعيدا :
الحلــوانْ يُعجــنْ والغــزلانْ تبــاعْ
يفـــرحْ للينّيَـــرْ مــن مــاع قطــاعْ
لقــد ذا النصــباتْ اشـــكالا مِـــلاحْ
وفيــــه بــــاالله للعـــين انشـــراحْ
ومــن لــسْ مــاع أولاد اســـــتراحْ
إلا مـــن يـــدري فالحـــالْ اتســـاعْ
ترتيــبْ الأثمــارْ هــوْ شــيّا غريــبْ
اللـوزْ والقسـطالْ والتمــرْ العجيــبْ
والجَوزْ والبلـوط والتــينْ والزبيــبْ
تشــتيتا منظــومْ تفريــقْ اجتمــاعْ
جلوْزْ عين الثـورْ شـــيئا ملهـــوي
ينقرْ لك فالبـابْ نقـــراً مســـتوي
يصــدّعْ راســكْ فـــذاكَ الـــدّوي
ورزقْ الجلــــوزْ فــي ذاك الصــداعْ
كـــأنّ المَيْـــدا دارْ فيهــــا زواجْ
والحلــونْ فيهــا عـــروسْ بتـــاجْ
والتـينْ والبلـوط الصــوفْ والــدّباجْ
نقـــيم الألـــوانْ مقـــام الصـــناعْ
والنــرنجْ احبــابْ إذا اتعــــــــدلوا
واللــيمْ دفافــاتْ إذا ولولــــــــوا
وإن كان ثم دَوْم أو قصـــبًا حلـــو
فلـسْ لـو تشـبيهْ إلا بالشـــــــماعْ
اتحكّــــم بــــاالله ذهنـــي وانطبـــعْ
وسُــقت الأســحارْ وسُـــقت البـــدعْ
ولا شــــــكّ انُّ شـــيئا مختـــرعْ
فـانظرْ مــا أحــلا هـــذا الاختـــراعْ
تــرى مــا ســمّيتْ ومــا قلــتُ فيــهْ
إنْ كـــانْ لـــسْ بمــــا نشــــتريهْ
فـــابنْ حمـــدينْ يجمعنـــي بيـــهْ
على أفضـلْ حـالْ وخيـــر انطبـــاعْ
أبـــو عبـــد االله مــا أشــهرْ عُــلاكْ
وأنقــى عرضــكْ واطيـــبْ ثنـــاكْ
عِوضْ من ولـدكْ نريــدْ ان نــراكْ
تــــردْ الحــــ َّل لصَــحْب المتــاع
– ديوان إبن قزمان القرطبي –
و للإشارة فإن أبي بكر بن قزمان القرطبي عاش في القرن 12 الميلادي.
وبالإظافة إلى الكتب المشار إليها في الصور رفقته، هذه بعض المراجع حول الموضوع.
بقلم د. سعيد الشمسي . باحث في علوم الاثار و التراث و التاريخ