جريدة إلكترونية مغربية

هل تستحق المشاهدات أن نبيع خصوصيات مجتمعنا؟

بقلم: سمية مسرور

لم تعد صناعة المحتوى مجرّد مساحة للتعبير أو الترفيه، بل تحوّلت إلى صناعة قائمة بذاتها، تحكمها لغة الأرقام: عدد المشاهدات، نسب التفاعل، والتعليقات، وعدد المتابعين. لكن وسط هذا السباق المحموم، يبرز سؤال عميق: هل تستحق المشاهدات أن نبيع خصوصيات مجتمعنا؟

مشاهدات بأي ثمن

في ظل عطش بعض صُنّاع المحتوى للانتشار السريع، صار اقتحام الخصوصيات مادة يومية للتصوير والنشر. عائلات تُعرّى تفاصيل حياتها أمام الكاميرات، أطفال يُدفعون إلى الواجهة بلا وعي بعواقب الأمر، ومواقف حساسة تُستغل من أجل “اللايك” و”المشاركة”. وهكذا تُستبدل القيم الإنسانية بقيم افتراضية، يتحدد فيها النجاح بعدد المشاهدات لا بمضمون الرسالة.

حدود الحرية والفضولية

لا أحد ينكر أن صانع المحتوى يمتلك حرية في طرح أفكاره وتجربته، لكن الحرية شيء، والتطفل شيء آخر.

حين يتحوّل المحتوى إلى كشف أسرار البيوت، أو فضح لحظات الألم، أو استغلال القضايا الاجتماعية كوسيلة للترفيه، فإن ذلك لم يعد إبداعًا بل فضولية غير مرغوب فيها. الفارق بين الإبداع والتطفل، هو احترام الخطوط الحمراء للمجتمع.

الجمهور.. شريك أم ضحية؟

الجمهور هو المحرّك الرئيس لهذه الدوامة، فكل مشاهدة لمقطع يقتحم خصوصية الآخرين، هي بمثابة تصويت لصالح تكرار التجربة. لكن الجمهور أيضًا ضحية، لأنه يستهلك محتوى لا يضيف قيمة، بل يرسّخ ثقافة التطفل، ويُضعف حساسية المجتمع تجاه مفاهيم مثل الاحترام والخصوصية.

صناعة محتوى بضمير

لا بأس أن يُسلي صانع المحتوى جمهوره، ولا مانع أن يبحث عن التميز والإبداع. لكن الخطورة تبدأ حين يصبح المجتمع نفسه سلعة معروضة للبيع، وخصوصيات الناس مجرد مادة للاستهلاك. إن المشاهدات قد تأتي وتذهب، لكن القيم إذا ضاعت، ضاع معها معنى الرسالة.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.